سورة النور - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} أي: على ما زعموا، {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِفَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} فإن قيل: كيف يصيرون عند الله كاذبين إذ لم يأتوا بالشهداء ومن كذب فهو عند الله كاذب سواء أتى بالشهداء أو لم يأت؟ قيل: {عند الله} أي: في حكم الله وقيل: معناه كذبوهم بأمر الله وقيل: هذا في حق عائشة، ومعناه: أولئك هم الكاذبون في غيبي وعلمي. {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} خضتم {فيه} من الإفك {عَذَابٌ عَظِيمٌ} قال ابن عباس أي: عذاب لا انقطاع له، يعني: في الآخرة، لأنه ذكر عذاب الدنيا من قبل، فقال تعالى: {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم}، وقد أصابه، فإنه جلد وحد. وروت عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية حد أربعة نفر: عبد الله بن أبي، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش.


قوله عز وجل: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} تقولونه، {بِأَلْسِنَتِكُم} قال مجاهد ومقاتل: يرويه بعضكم عن بعض. وقال الكلبي: وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول بلغني كذا وكذا يتلقونه تلقيا، وقال الزجاج: يلقيه بعضكم إلى بعض، وقرأت عائشة {تلقونه} بكسر اللام وتخفيف القاف من الولق وهو الكذب، {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا} تظنون أنه سهل لا إثم فيه، {وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} في الوزر. {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ} هذا اللفظ هاهنا معناه التعجبُ {هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} أي: كذب عظيم يبهت ويتحير من عظمته. وفي بعض الأخبار أن أم أيوب قالت لأبي أيوب الأنصاري: أما بلغك ما يقول الناس في عائشة؟ فقال أبو أيوب: سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت الآية على وفق قوله. {يَعِظُكُمُ اللَّهُ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يحرم الله عليكمُ وقال مجاهد: ينهاكم الله. {أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ} في الأمر والنهي، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بأمر عائشة وصفوان، {حَكِيم} حكم ببراءتهما. قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} يعني: تظهر، ويذيع الزنا، {فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} يعني عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين، والعذاب في الدنيا الحد، وفي الآخرة النار، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ} كذبهم وبراءة عائشة وما خاضوا فيه من سخط الله {وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.


{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} جواب لولا محذوف، أي: لعاجلكم بالعقوبة، قال ابن عباس: يريد مسطحا، وحسان، وحمنة. قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} أي: بالقبائح من الأفعال، {وَالْمُنْكَر} ما يكرهه الله عز وجل، {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا} قال مقاتل: ما صلح. وقال ابن قتيبة: ما طهر، {مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} والآية على العموم عند بعض المفسرين، قالوا: أخبر الله أنه لولا فضله ورحمته بالعصمة ما صلح منكم أحد. وقال قوم: هذا الخطاب للذين خاضوا في الإفك، ومعناه: ما طهر من هذا الذنب ولا صلح أمره بعد الذي فعل، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، قال: ما قبل توبة أحد منكم، {أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي} يطهر، {مَنْ يَشَاءُ} من الذنب بالرحمة والمغفرة، {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} قوله عز وجل: {وَلا يَأْتَلِ} أي: ولا يحلف، وهو يفتعل من الألية وهي القسم، وقرأ أبو جعفر: {يتأل} بتقديم التاء وتأخير الهمزة، وهو يتفعل من الألية. {أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} يعني أبا بكر الصديق {أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يعني مسطحا، وكان مسكينا مهاجرا بدريا ابن خالة أبي بكر، حلف أبو بكر أن لا ينفق عليه، {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} عنهم خوضهم في أمر عائشة، {أَلا تُحِبُّونَ} يخاطب أبا بكر، {أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فلما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر قال: بلى أنا أحب أن يغفر الله لي، ورجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.
وقال ابن عباس والضحاك: أقسم ناس من الصحابة فيهم أبو بكر أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من الإفك ولا ينفعوهم، فأنزل الله هذه الآية.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8